تُتم
قريباً انتفاضة السابع عشر من فبراير حولين
كاملين منذ ميلادها في العام 2011, و إذا ما أخذنا أشهر العُسرة الثمانية من عمرها
على أنها مرحلة ما قبل سِن الرشد و التكليف, فانه في ذكرى الميلاد حرياً بنا
التوقف لتقييم العام و ألأشهر ألأربعة منذ بلوغها الحلم يوم رفع العلم .
و هكذا يفعل الطامحون للنجاح والتقدم, و المسرون
على تحقيق الأفضل .
صحيح أن التقييم والمراجعة عادةً يبدأ
بمقارنة المنجز بخطة العمل المعتمدة عند
الانطلاق, و التحقق من مدى تحقق الأهداف التي انقضى أجلها و قياس المسافة من بلوغ
الهدف الأسمى.
غير ان فبراير لم توضع لها خطة مسبقة, و لا
خريطة تكون لها مرجعاً, و لم تحرر بعد
التحرر وثيقة تحدد ماهيتها و تثبت و تثبّت مشروعيتها, و تقولب أهدافها وغاياتها, و
تضبط إيقاع ما بعدها.
و كما كانت ليبيا قبل فبراير لا توثيق و لا
مراجع لها, غير القليل الذي يرشح من هنا و هناك و تلوكه الألسن لتختلط الحقيقة
بمزيج من الكذب و الإشاعات و يتفلسف فيه المتفلسفون حتى ينتهي شيء أخر غير الذي
رشح, كذلك هي بعد فبراير.
فرغم الخسائر الفادحة والمهولة في الأرواح
والممتلكات و الأموال بل و في القيم و الأخلاق و الثوابت الوطنية و القومية و لن
أبالغ إن قلت والدينية, لكنك لن تجد مرجع واحد دقيق و موثوق يحصر و يبين أياً من
تلك الخسائر. فالليبيين وحدهم دون العالمين الذين لم يحصوا ويوثقوا قتلاهم أثناء
ولا بعيد انتهاء المعركة.
صحيح أنه عُد فيما بعد من أُضفي عليهم لقب
شهداء, و لكن ليبيين أخرين كُثُر ماتوا قتلاً في المعركة, و لكن في فبراير لا
بواكي لهم, وهذا اخفاق لها .
و في العقل الجمعي للمجتمع الليبي من بين ما
يبرر قيام فبراير, الفساد المالي و الإداري و السياسي المنتشر بشكل رهيب يهدد بل
أضر كثيرا و كثيرا جد بالوطن والمواطن, و القضاء عليه هدف من أهداف فبراير, ولكن
وهي تدخل عامها الثالث مازالت منظمات عالمية والشارع الليبي والساسة الجدد أنفسهم,
جميعاً يقرّون أن الفساد على أشدة وربما تضاعف على ما كان عليه قبلها, و بذا يثبُت
إخفاق.
أما الممتلكات العامة من عقارات و شركات فيكفيك
أن تتجول في أي من المدن الليبية شئت, وتعد كم ملك عاماً كتبت عليه عبارة (ملك
مقدس), وكم من رصيف مشاة مَنع المشي فيه كشكاً للخرداوات و السجائر و السموم
القاتلات, و كم من ارض عامة سُيجت وغُرست نخيلاً مُبلحاً.
ناهيك عن عشرات آلاف الأملاك الخاصة التي فر
أصحابها أو هُجّروا ظلماً, أو قتّلوا ثأراً, و استبيحت في وضح النهار بغير وجه حق
و ثبتت قانونيا ً لمستبيحها, و هذا إخفاق.
أما القيم و الأخلاق, فما حدثت عند العرب أن
بسقت مسئولةً رسميه في وجه رئيسها إلا بهدها. وهذا إخفاق.
فبراير قامت ضد حكم الدكتاتور الممجد والطأطأة
المخزية في حظرته.
و
بالفعل كسرت جدار الرعب الذي حجر الناس طويلاً في قوقعة لا يلجها النور, فلم يعد
أياً له القداسة و المجد, و لم يعد حتى الأقطع و الأبتر و الأعور يهاب ركل باب
السلطان و أمره بافتراش الأرض و إلا.!! و هذا نجاحاً و نصراً مؤزر.
فبراير جاءت ليختار الناس خدمهم المناسبين
بحق لا دجلاً, وبالفعل كان.
و أياً
كانت مخرجات تجربتهم الأولى, لكنهم فعلوها على اصولها و حتى المتمرسين على فعل ذلك
شهدوا أن ليبيا فعلته باحتراف ومن أول مرة, وهذه لفبراير نجاح.
وأياً كان ما وصلت إليه ليبيا بعد نقلتها
النوعية من النقيض إلى نقيضه, زمهما تعالا الصراخ و مهما كانت خطواتها بطيئة و متعثرة فإن الوليد
يصرخ كثيراً و يتعلم الحبو رويداً ثم يخطوا فيتعثر حتى تدمي جبهته ثم تصطليه
الأيام قبل أن يجيد أبجديات الأشياء.
عاشت فبراير والمجد للشهداء والرحمة على من لا
بواكي لهم.